صدور مختارات من شعر نزار قباني باللغة الروسية
صدرت بموسكو الترجمة الروسية لمختارات من شعر نزار قباني وترجمها د. يفجيني دياكونوف الاستاذ المساعد في قسم لغات الشرق الاوسط في الجامعة العسكرية الروسية.
لقد كان الشعر العربي، والشرقي عموماً، يحظى دوماً بالاهتمام في روسيا. ويتجلى ذلك في إبداع الشعراء الروس وكذلك في رغبة القراء في التعرف عن قرب على الشرق المترع بالأسرار.
وتوجد بين أروع قصائد شاعر روسيا العظيم الكسندر بوشكين قصيدة " نافورة بختشيساراي" ومجموعة قصائد "محاكاة قرآنية". ولدى قراءة الترجمة الفرنسية لمعاني القرآن الكريم فتن الكسندر بوشكين بجمال الشرق العربي فنقل لغة النثر الى لغة الشعر.
وهناك شاعر روسي آخر هو سيرجي يسينين الذي لم يزر بلدان الشرق أبدا لكنه نظم سلسلة من الاشعار بعنوان "تلاوين فارسية" . وأصبحت الأغاني التي تنظم من هذه الأشعار شائعة جداً.
ان إصدار أشعار فحول شعراء الشرق باللغة الروسية يعتبر دوماً حدثاً مشهوداً في الحياة الثقافية. وصدور مجموعة القصائد المختارة من شعر نزار قباني بترجمة يفجيني دياكونوف لا يعتبر استثناءاً عن ذلك. علماً أن نشر أعمال الشعراء والكتاب السوريين باللغة الروسية ليس بالشيء الجديد. طبعاً ان صعوبة اللغة الشعرية وتركيب قصائد نزار قباني، بالاضافة الى خصائص نظم الشعر العربي، تشكل عقبة جدية في طريق ترجمة هذه القصائد الى لغة أخرى بصورة موفقة.
وسابقاً ترجمت الى اللغة الروسية من بين أعمال الشعراء المحدثين قصائد جبران خليل جبران بترجمة ماركوف. واستطاع القارئ الروسي التعرف على إبداع شاعر سوري معاصر آخر لا يقل شهرة هو الياس هداية بترجمة يفجيني دياكونوف أيضاً.
وبغية تفُّهم الشاعر وشعره يجب ان يفهم المرء بلاد الشاعر وان يتحسّس ويتفَّهم روح ونبضات قلب شعبه. وقال نزار قباني: "انني أستعير كلماتي من بسطاء الناس وأُكسِبها صيغة شعرية ثم أعيدها الى الناس".
ومعرفة شعر نزار قباني تعني معرفته شخصياً نفسه ومعاناته النفسية ومسراته. ولا مراء في ان قارئ قصائد اي شاعر يجب ان يتمتع بالخصال الآنفة الذكر من اجل ان يتفهم معانيها. لكن حين يكون المقصود الترجمة الى لغة أخرى تشخص أمامنا أمور اخرى - هي المهام الاكثر صعوبة، وبالذات المقدرة على تقمُّص المحتوى الروحي للقصيدة الأصلية بوسائل اللغة التي تتم الترجمة منها، مع الأخذ بنظر الاعتبار العوامل الزمنية والنفسية والإثنية.
من المعروف ان الصور اللغوية للعالم لدى الناطقين باللغة العربية والناطقين باللغة الروسية غالباً ما لا تتطابق. وعندما يمسك المرء في يديه بترجمة مجموعة "القصائد المختارة " لنزار قباني يدرك بلا إرادته أن المترجم قد أفلح في أداء مهمته بشكل رائع - فقد عكس كل جمال وكل الأصالة اللغوية والمعاناة الروحية وأفراح هذا الشاعر غير المألوف والمتميز وفي الوقت نفسه الصعب جداً على الإدراك.
يقول المترجم عن أسلوب نظم الشاعر: "لقد ظهر نزار قباني في ميدان الشعر قبل كل شئ كشاعر مجدد وأخذ مكانه على الفور الى جانب الشعراء المجددين مثل بدر شاكر السياب ونازك الملائكة وعبدالوهاب البياتي وأدونيس وغيره. وكان جوهر التجديد يكمن في التخلِّي عن الأسلوب التقليدي في نظم الشعر الذي هيمن في الشعر العربي حتى الأربعينيات من القرن العشرين".
عرف دياكونوف شعر القباني منذ وقت بعيد، وحسب قوله فقد كان في سن 26 عاماً حين استمع الى تسجيل على الكاسيت لقصيدته التي يرد فيها "اني خيرتك ... فاختاري ما بين الموت على صدري او فوق دفاتر اشعاري" بصوت الشاعر نفسه ومنذ ذلك الحين تولّدت لديه رغبة عارمة في ايصال جمال ورونق هذه الأبيات الى القارئ الروسي، وكذلك اطّلاعه بقدر ما على الشعر العربي الحديث.
وقد كرّس المترجم أطروحته "الصورة والايقاع في الكلام العربي المنظوم ومقارنته بالشعر الروسي مع تطبيق ذلك على ترجمة قصائد الشاعر الروسي نزار قباني من العربية الى الروسية " لتحليل ومقارنة ومقابلة أشعار نزار قباني.
طبعاً ان ترجمة الشعر تختلف كثيراً عن ترجمة النثر. وليس عبثاً ان قال الشاعر والمترجم القدير فاسيلي جوكوفسكي أحد مؤسسي المدرسة الرومانسية الروسية: "ان مترجم النثر عبد، ومترجم الشعر منافس". ولا يسعنا سوى الاتفاق معه.
وبصدد عمل فاسيلي دياكونوف يمكن القول ان ترجمته لقصائد نزار قباني تعكس منحى الشاعر الواقعي في النظم والمقدرة على الابتكار واعتماد الأسلوب الغزلي والحر والعذب. وتسرني الاشارة الى ان "القصائد المختارة" لا تخيب آمال قرائنا بل بالعكس، انها تبث فيهم الحب والاحترام لشعر نزار قباني وكذلك للشعر اللبناني والسوري في القرن العشرين من حيث الاسلوب، والحر من القوافي والأوزان التي أعدَّها الخليل بن أحمد الفراهيدي صاحب "العين".